منوعات
أخر الأخبار

محمد مسعد أبو فياض.. فنان الزخارف الذي أعاد هيبة العمارة الشرقية

 

في وقت تتسابق فيه الأسواق نحو الحداثة ويميل الكثيرون إلى التصاميم المعمارية المستوردة، برز إسم محمد مسعد أبو فياض كأحد أهم حماة الهوية الفنية العربية، وأعاد إلى الزخرفة الشرقية روحها وهيبتها في قصور الأثرياء وفلل النخبة. الرجل الذي عُرف بأنه “أيقونة العمارة المزخرفة”، استطاع أن يمزج ببراعة بين التراث العربي الأصيل وروح التصميم العصري، ليعيد تشكيل مفهوم الفخامة من منظور شرقي خالص.

لم يكن الطريق مفروشًا بالورود أمام أبو فياض، بل جاءت رحلته ثمرة إصرار طويل وصبر لا يُقهر. نشأ في بيئة بسيطة، لكنه وجد في الخط العربي والنقوش الإسلامية شغفًا مبكرًا، فبدأ يقلد الزخارف على دفاتر المدرسة وجدران الحارة. ومع مرور الوقت، صار الحلم أكثر وضوحًا: أن يصبح فنان زخارف يُشار إليه بالبنان.

بدأ حياته المهنية كعامل صغير في ورشة ديكور متواضعة، وكان يستغل كل لحظة فراغ ليتعلم من الصناع الكبار، ثم يطور أساليبه الخاصة في الظل. لم يكن راضيًا بما يراه من تقليد أعمى لزخارف قديمة، فقرر أن يُحيي الفن الشرقي بروح عصرية. وسرعان ما بدأت لمساته تظهر في أعماله، وجذبت أنظار المهندسين والمعماريين.

استطاع محمد مسعد أن يؤسس لنفسه مدرسة فنية قائمة على ثلاث ركائز: الهوية، الابتكار، والإتقان. هوية التصميم التي تعكس الطابع العربي والإسلامي، وابتكار في التكوينات التي تدمج بين القديم والحديث، وإتقان لا يقبل بأقل من الكمال. هذا المزيج جعله الخيار الأول لدى نخبة من رجال الأعمال المصريين والعرب، الذين وجدوا في أعماله روح القصور العباسية والأندلسية.

تميزت مشاريعه باستخدامه للمواد الطبيعية كالخشب المنقوش يدويًا، والجص المزخرف، والمعادن المصقولة بدقة، ما يمنح الفراغات طابعًا لا يُنسى. كما أدخل مفاهيم جديدة في توزيع الزخارف بما يخدم الإضاءة والهواء، ليمنح الجمال وظيفة، والوظيفة طابعًا فنيًا.

تحوّلت فيلات في القاهرة الجديدة، والساحل الشمالي، ومدينة الشيخ زايد إلى لوحات فنية ناطقة بفضله. في كل ركن، يظهر اسمه حتى دون توقيع، لأن أعماله تحمل بصمته الخاصة: التوازن البصري، الألوان الترابية، الخط العربي المتناغم، والانسيابية في الزخرفة.

من أبرز مشاريعه مؤخرًا، قصر فخم بأكتوبر مستوحى من الطراز الفاطمي، استخدم فيه نقوشًا دقيقة محفورة يدويًا على الحجر الجيري، مع قبة مزخرفة بالخط الكوفي. المشروع حاز إعجاب كبار المهندسين واعتُبر نقلة نوعية في العمارة المعاصرة ذات الهوية.

رغم انشغاله بالمشروعات الكبرى، لم ينسَ أبو فياض دوره التوعوي، فأسس ورشًا تدريبية لتعليم الشباب أصول الزخرفة الشرقية، وكيفية دمجها بذكاء في التصاميم الحديثة. كما شارك بمحاضرات وندوات في كليات الفنون التطبيقية والهندسة، ناقش فيها أهمية الهوية الفنية ودورها في مقاومة التغريب البصري.

يؤمن محمد أن الفن الزخرفي ليس مجرد زخرفة سطحية، بل هو فلسفة كاملة تنقل فكرة وجمالًا وثقافة. يقول: “الزخرفة الشرقية تحكي قصة، وكل منحنى ونقشة فيها تمثل رسالة. دوري أن أُعيد قراءة هذه القصة بلغة العصر، دون أن أُفقدها أصالتها”.

ولأنه لا يقبل بالثبات، يسافر كثيرًا للاطلاع على الفنون حول العالم، لكنه يعود دائمًا بفكرة واحدة: الأصالة ليست نقيض التطور، بل بوابته الحقيقية. لهذا لا يزال فياض حتى اليوم في طليعة من يقودون ثورة فنية ناعمة تُعيد الاعتبار للفن الشرقي في العمارة.

اليوم، عندما يطلب رجال الأعمال والمستثمرون بصوت واحد: “نريد شغل محمد أبو فياض”، فهم لا يبحثون فقط عن زخرفة جميلة، بل عن توقيع فني يحمل روح الشرق وفخامة الحرفة.

وهكذا، لم يكن محمد مسعد أبو فياض مجرد فنان زخارف، بل أصبح حامل لواء مدرسة فنية توازن بين الماضي والمستقبل، وتعيد للعمارة العربية بهاءها المفقود في عصر الزجاج والخرسانة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى