الدكتورة إيمان يوسف اللوح صوت الإنسانية الذي خرج من بين الركام
في عالمٍ تتزاحم فيه الأصوات وتتعدد فيه القضايا، يبقى صوت واحد قادرًا على اختراق الجدران السميكة التي صنعتها الحروب والآلام… إنه صوت الدكتورة إيمان يوسف اللوح، الناشطة الإنسانية والكاتبة الفلسطينية القادمة من قلب دير البلح بقطاع غزة، المرأة التي اختارت أن تجعل من الألم قوة، ومن المأساة رسالة، ومن الحكايات المنسية نورًا يضيء طريق العالم نحو الحقيقة.
تمتلك الدكتورة إيمان رصيدًا علميًا ثريًا يعكس شغفها بالمعرفة وخدمة الإنسان؛ فهي حاصلة على بكالوريوس في برمجة الحاسوب وتحليل النظم، وبكالوريوس آخر في التربية الإنجليزية، إلى جانب ماجستير في الاجتماع والعلوم السياسية، وصولًا إلى دكتوراه في التنمية البشرية. هذا التنوع العلمي منحها رؤية شاملة للإنسان والمجتمع والسياسة، وهي رؤية انعكست بوضوح في مسيرتها المهنية الممتدة لأكثر من 18 عامًا في مجال العمل الإنساني داخل غزة.
وخلال سنوات عملها، أثبتت الدكتورة إيمان قدرتها على أن تكون صوتًا للضعفاء والمدافعين عن حقوقهم، فحصلت على لقب سفيرة للنوايا الحسنة، وتولت منصب مديرة منظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان، قبل أن تتوسع مسؤولياتها على المستوى الدولي. وتشغل اليوم منصب محللة إنسانية لشؤون المرأة في برنامج حماية الطفولة التابع لليونيسيف، إضافة إلى دورها كمستشارة لحقوق الإنسان لدى المجلس العربي الإفريقي في مصر، وهو ما يعكس ثقة المؤسسات الدولية بخبرتها ورؤيتها.
مثّلت الدكتورة إيمان فلسطين في العديد من المحافل الدولية، وحازت على ألقاب رفيعة مثل “سفيرة الإنسانية” ودرع التميز والإبداع تقديرًا لإسهاماتها المؤثرة في الدفاع عن الإنسان، خصوصًا في أكثر البيئات صعوبة وتعقيدًا.
ولأن الكلمة قد تُصبح في بعض اللحظات سلاحًا أقوى من أي شيء آخر، أصدرت الدكتورة إيمان كتابها المؤثر “دموع تحت الركام: حكايات غزة المنسية”، وهو عمل توثيقي وإنساني مهم يرصد معاناة الشعب الفلسطيني خلال أعوام الحرب من 2023 وحتى 2025. في هذا الكتاب، تتقدم الحكايات على الأرقام، وتعلو الأصوات المنسية فوق ضوضاء الأخبار، لتُبرز بعمق معاناة الأطفال والنساء الذين كانوا شهودًا وضحايا لجرائم إنسانية بحقهم.
يأخذ الكتاب القارئ في رحلة مؤلمة بين الخيام التي تحولت إلى بيوت مؤقتة للنازحين، والمستشفيات التي لم تسلم من القصف، والمدارس التي كانت رمزًا للأمل فأصبحت ركامًا. كل قصة فيه هي شهادة حيّة على قدرة الإنسان الفلسطيني على الصمود رغم أنف الدمار، وعلى قوة الروح التي تقف شامخة رغم الجراح.
يمتاز الكتاب بالسرد الواقعي المبني على شهادات حقيقية لمن عاشوا الحرب، حيث يجسد تفاصيل لا تنقلها الكاميرات ولا تصل إلى نشرات الأخبار. إنه ليس مجرد توثيق للمأساة، بل هو رسالة إنسانية تهدف إلى حفظ الذاكرة، وتذكير العالم بأن خلف كل حجر مهدّم حياة كانت تنبض، وخلف كل صرخة ألم حلمٌ لم يكتمل.
الدكتورة إيمان يوسف اللوح ليست مجرد كاتبة أو ناشطة، بل هي ذاكرة شعب وصوت أمة، جمعت بين العلم والعمل الميداني، بين الكتابة والإنقاذ، بين توثيق الألم وزراعة الأمل. إنها نموذج للمرأة الفلسطينية التي لا تنحني، وتظل واقفة تحمل همّ وطنها وقضيتها مهما اشتدت العواصف.
وبين دفتي كتابها “دموع تحت الركام” وبين سنواتها الثمانية عشر في العمل الإنساني، تبقى رسالتها واضحة:
غزة ليست مجرد خبر… غزة حكايات بشر، وأرواح تستحق الحياة.